سورة آل عمران - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)} [آل عمران: 3/ 78].
ثم قرر اللّه موقفا آخر لإثبات عقيدة التوحيد لله، ونبذ الشرك، وهدم كل معالمه ومظاهره، فقال اللّه تعالى:


{ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)} [آل عمران: 3/ 79- 80].
وسبب نزول هذه الآية كما ذكر ابن عباس، قال: إن أبا رافع القرظي قال للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين اجتمعت الأحبار من اليهود ووفد نصارى نجران: يا محمد، أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «معاذ اللّه أن يعبد غير اللّه، أو نأمر بعبادة غير اللّه، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني» فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
وقال الحسن البصري: بلغني أن رجلا قال: يا رسول اللّه، نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون اللّه، ولكن أكرموا نبيكم، واعرفوا الحق لأهله» فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
فلا يصح لبشر امتن اللّه عليه بإنزال الكتاب، والهداية إلى الحكمة والصواب في فهم ما أنزل اللّه عليه، وإيتائه النبوة والرسالة، ثم يطلب من الناس أن يعبدوه وحده، أو يعبدوه مع اللّه، فهذا هو الشرك بعينه، ولكن يقول: كونوا أيها الناس ربانيين، أي متمسكين بالدين، مطيعين لله أتم طاعة، بسبب كونكم تعلّمون الكتاب لغيركم، وبسبب كونكم تدرسونه وتتعلمونه. ولا يعقل أن يأمر نبي باتخاذ الملائكة والأنبياء آلهة تعبد من دون اللّه، فكل هذا كفر وفسوق وعصيان، لا يتفق مع الإسلام، والانقياد لله بالطبيعة والفطرة، التي فطر الناس عليها.
ميثاق النبيين:
إن الأديان المنزلة من اللّه تعالى واحدة في أصولها، فهي متفقة على الدعوة إلى توحيد اللّه عز وجل، وأصول الأخلاق والفضائل، وأسس التشريع الناظم لمصالح الناس وحاجاتهم، والأنبياء مهمتهم واحدة، ودينهم واحد، وهم إخوة يؤمن كل واحد منهم برسالة الآخر وشريعته، لذا أخذ اللّه تعالى ميثاق كل نبي بأنه يلتزم هو ومن آمن به الإيمان بمن أتى بعده من الرسل، الظاهرة براهينهم، ويلتزم نصرة بعضهم بعضا.
قال اللّه تعالى:


{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (82)} [آل عمران: 3/ 81- 82].
قال ابن عباس: إنما أخذ اللّه ميثاق النبيين على قومهم، فهو أخذ لميثاق الجميع، وقال طاوس: أخذ اللّه ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا.
وقال علي بن أبي طالب: ما بعث اللّه نبيا- آدم فمن بعده- إلا أخذ عليه العهد في محمد، لئن بعث وهو حي، ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره بأخذه على قومه، ثم تلا هذه الآية.
هذه الآية تذكير للأمم والشعوب بما تضمنه الكتاب الإلهي والنبوة من وجوب إيمان كل نبي وكل فرد من أتباعه برسالات الأنبياء جميعا، ومنها رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد اللّه، فهو الرسول المصدق لمن تقدمه من الكتب والأنبياء، وعلى أتباع أولئك الأنبياء الإيمان به ومناصرته، فذلك نصر لكل نبي سابق.
وقال اللّه تعالى لمن أخذ عليهم الميثاق من الأنبياء وأقوامهم: أأقررتم وقبلتم ذلك الذي ذكر من الإيمان بالرسول المصدق لما معكم ونصرته، أقبلتم عهدي وميثاقي المؤكد؟! قالوا: أقررنا وصدقنا، فقال اللّه تعالى: فليشهد بعضكم على بعض، وأنا معكم جميعا، لا يغيب عن علمي شيء.
فمن تولى بعد هذا الميثاق المأخوذ قديما، ولم يؤمن بالنبي المبعوث في آخر الزمان، المصدق لمن تقدمه، ولم ينصره، فأولئك هم الفاسقون الخارجون من ميثاق اللّه، الناقضون عهده.
ثم أنكر القرآن على أولئك الذين يطلبون غير دين اللّه الذي هو الإسلام، ولله استسلم جميع من في السماوات والأرض، وخضعوا له وانقادوا لتصرفه بالتكوين والإيجاد، سواء طوعا واختيارا، أم إكراها وجبرا، ثم يكون المرجع والمآب إلى اللّه تعالى، قال سبحانه:

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12